23.11.11

كيف تكونُ مبدعا؟! (2)

بسم الله الرحمن الرحيم


كيف تحفّز نفسك على الإبداع؟
أنا موقنٌ أن قارئ هذه الكلمات والذي جذبه عنوان هذه التدوينة هو شخص مبدع، أجل عزيزي، فأنت شخص مبدع، فلولا إيمانك الداخلي بإبداعٍ محصورٍ داخلك لما بادرت إلى قراءة التدوينة لإخراج ما في داخلكَ من قوّة إبداعٍ كامنة، فلنكمل معاً ..
بداية هل لكَ أن تحضر قلما وورقة؟ أحسنت، شكرا لك..

لا بدّ وأن تعلم عزيزي بأنّه لكلّ قصة نجاحٍ هناك سلسة من قصص الفشل، إن لم تعجبك كلمة فشل، فأستطيع أن أسميها مِحَن أو صعوبات لا بدّ منها. وأنت إن كنت تواجهها فأعلم أنّك تسير في الطريق السليم، وأنك آجلاً أم عاجلاً ستحقق طموحك الذي ترمي إليه، لا تحتاج المسألة منك سوى بعض الصبر والمثابرة.

كيف أستطيع المثابرة؟
أشعر أحياناً أن كلمة "مثابرة" تحوي بداخلها رسالة مفتوحة بالتحدي، لاحظ كيف تقول كلمة مثابرة، تفتحُ شفتاكَ وتغلقهما مرّة أخرى! ، وكأني بها نبرة تحفّز قائل الكلمة على أن يقولها بصوتٍ قويٍ مرتفع .. "مثاااااابرة" .. أجل، تحتاج لقوّة وصوتٍ مرتفع، بالإضافة إلى صوتٍ داخليٍّ يصرّ عليك بأن تبدع لتصل إلى هدفك المنشود.

كلينتون الطفل الفقير
"سأصبح رئيساً لأعظم ولايةٍ على الأرض"، هكذا صرّح الطفل الصغير بيل كلنتون عندما سأله مدرّسه عن حلمه عندما يكبر. ضحك المدرّس منه، وضحك زملائه، وكذالك كان يفعل أقربائه عندما يسمعون تصريحه الدائم بحلمه بالوصول إلى حكم أعظم قوة في العالم، خاصةً أنه الطفل اليتيم، وأمّه الفقيرة، والتي كانت بالكاد توفّر له قوتَ يومه. لكن كلينتون كان يرى حلمه يومياً أمامه، ويؤمنُ بأنّه سوف يصلُ إليه اليومَ أو غداً، لا كما رآه من حوله..!

حاول دائما أن تتخيّل نفسكَ قد وصلتَ إلى هدفكَ المنشود، ما حالكَ لو كنت مديرا لإحدى الشركات كما تحب، أو مصممة ديكور أو طبيب أسنان، أو ممثلا مشهوراً صاحب رسالةٍ سامية. لاحظ تجمّع الناس من حولك، وراقب الإنجازات التي تنمو بالقرب منك يوما بعد يوم، هل تلاحظ الإزدهار الذي يعم البلدة نتيجة إبداعك؟! رائع أنت!

 الطموح كنزٌ لا يفنى
يروى أنّ صياداً بارعا كان لا يصطاد من البحر سوى الأسماك الكبيرة، مما زاد من حسدِ أصدقاءه من الصيادين له، لكن أكثر ما كان يثير استهجانهم واستغرابهم أنه في كلّ مرة كان يصطاد سمكة كبيرة، كان يعيدها إلى البحر، فلما سألوه عن ذالك، كان يجيب: لديّ في البيت مقلاة صغيرة لا تتسع للأسماك الكبيرة!

الآن وبعد هذه الطاقة التي شحنت نفسكَ بها، هل تعلّمت المثابرة؟ لا يكفي أن تتخيّل، بل إسعى من أجل هدفك، استشر من هم من حولك من أصحاب الإختصاص، ولا تبخل على نفسك أبداً بالتوسّع والتعلم في ذات المجال، وتوسيع أفق تفكيرك وطموحك. إبقَ دائمَ القربِ من هدفك ولا تسمح يوماً بالأفكارِ السلبيّة بأن تجتاح كيناك بأيِّ شكلٍ من الأشكال، بل اصنع من الليمونِ الحامض شرابا حلواً يفيدك ويفيد من هم من حولك
لا تكن مثل هذا الصياد، وإرمِ بمقلاتكَ الصغيرة جانبا واقتنِ مقلاةً كبيرة تتسع لكَ ولأحلامك. قُم بتقسيم هدفكَ الأسمى لمحطاتٍ عدّة، وفي كلّ مرة تصل لمحطةٍ من هذه المحطات كافئ نفسك واعمل على زيادة مجهودك لتوسيع آفاق أحلامك وأطر تفكيرك.
اجعل من هدفك منارة في فضاءِ طموحك، وفي كلّ مرّةٍ تجدُ من نفسكَ فتوراً في تحقيق هدفك قُم بتصوّره أمامك، وماذا سيكون حالك عندما تحقق ما تتمنى، خذ طاقة إيجابيّة، واستمر بقوّة.
أكتب مجموعة أهدافك الآن على ورقة وقُم بتعليقها في مكان تقع عيناكَ عليه دائما، على سريرك، مكتبك، حائط غرفتك (شخصيا أفضل تعليقه على البراد لأنه أكثر إشي بلفت نظري
) ..

قسّم أهدافك إلى مراحل حسب المرحلة الزمنية. مثلا الهدف المرحلي القريب هو أن تنجح بدروسك، الهدف الثاني تميّزك في موهبتك في الرسم، والهدف الثالث ... وما إلى ذالك .. ستشعر عندها أنّك شخص منظّم وصاحب مسؤولية اتجاه مجتمعك وأهل بيتك..

إعمل share طاقة لأصحابك
إجتهد أن يساعدكَ أصدقائك بمنحك الطاقة كلّ يوم، بمعنى أن تتفق أنت وأحد أصدقائك على أداءِ مهمّةٍ معيّنة، مثلا على قراءة كتاب معيّن خلال أسبوعين، أو أن تتفقا على عمل خيري معيّن، وتتفقان على التنافس، فالتنافس في هذه الأمور مشروعٌ بل ومطلوب لما فيه تحفيزٌ للنفوس. اتفقا على وضع عقاب معيّن ومفيد لمن يتخلّف عن أداء المهمّة. مثلا من يتخلّف عن قراءة القرآن في اليوم الفلاني فعليه أن يقرأ يزيد على ما سيقرأ صفحتان، أو أن يخرج مبلغ معيّن (الله يعين الستودنتيم! :P) كصدقة للمحتاجين..! وهكذا ... 

إبتعد عن أصوات النشاز
أصرّ دوماً على تسمية الناس المثبّطين المحبطين، والذين لا يتقنون سوى النقد الهدّام والتفتيش عن العيوب بأصوات النشاز، لأنّه كما تستطيع الأذن الموسيقيّة تمييز الأداء النشاز والذي يعني أداء التون بشكل غير صحيح وغير مضبوط، يستطيع الشخص أن يميّز الأشخاص الذين يحاولون سحبه إلى الوراء بما أتوا من قوّة، ولتتذكر، بأنّك إن أردت أن لا تُنتقد وأن لا يتكلّم عليك أحد، فعليك الجلوس في البيت وعدم عمل أي شيء (وأيضا ستنتقد على ذالك!) .. لذا .. استمر ولا تأبه .. فاليوم يسخروا منك، وغداً سيحترموك ..

 
أتمنى أن تكونَ كلماتي قد فجّرت فيك طاقة إيجابيّة ستدفعك للعمل بشكلٍ منظّمٍ ومدروسٍ أكثر، وأن لا تكون مجرّد كلماتٍ دبّت فيك حماساً سرعان ما يزول مفعوله مع زوال الشمس !

3% فقط من الذين يقرأون أو يستمعون للمحاضرات المحفّزة يقومون بتطبيق ما سمعوه، فهل أنت من هذه الفئة المميزة القليلة؟ أظنّ ذالك، كيف لا وأنتَ مبدع 

في إنتظار إبداعاتكم :)

17.11.11

كيف تكونُ مبدعا؟!

بسم الله الرحمن الرحيم



لم يكن الإبداعُ يوماً حِكراً على أحد، ولم ينتهي عندَ جيلٍ معيّن، أو حُصِرَ لقوميّة واحدة!
ملياردات الأدمغة على وجه البسيطة، ولكلّ دماغٍ بصمته المميّزة أياً كان وأينما وُجد، المهمّ هُنا إلى أيّ مدىً تستخدم قوّة عقلك لتفتحَ آفاق تفكيركَ وتُبدع.

يشعرُ الكثير من المسلمين بالدونيّة والإنحطاط بسبب الأفكار المسبقة لديهم، ولقلّة حيلة المسلمين في هذا الزمان وتأخّرهم سنينَ ضوئيّة عن معظم الشعوب خاصة الأوروبيّة منها. ولعلّ أحد أسباب هذه الأوضاع هي تأخرهم عن فهم ماهيّة أن تكون مبدعاً وعدم توفيرهم البيئة المناسبة للأفراد حتى يسيروا مع ركب المبدعين من الشعوب الأخرى. لن يُجدي بنا نفعاً أن نقف على أطلالنا، ونلعن الخلف، ونستعزّ بخيرِ سلفٍ مرّ على التاريخ، ثمّ لن تروي دموعنا مجداً كان قد بناه أجدادنا -رحمهم الله- في حقبةٍ من حقب التاريخ. إنّ ما نحنُ فيه يعبّر عن قصورٍ ذاتيٍّ فينا، وقلّة وعي لما تمرّ به أمّتنا الحالمة، لن يُخرجنا منه سوى تهيئتنا لبيئةٍ ينضج بها أفواجاً من المبدعين المثقفين من العرب والمسلمين.


إن فُقد الوعي بأي شيء يحوّله إلى شيء تافه ويخرجه من قائمة الإهتمامات والأولويات ويكون في جملة المهملات والمنسيات. (أ.د عبد الكريم بكّار)

إن إحدى طُرق الخروج بجيلٍ واعٍ لقضيّته، حاملٌ همّ أمّته، لا يعاني تفككاً بشخصيّته الإسلاميّة، هو تهيئة الظروف والبيئة المحيطة به لتحفيزه على الإبداع. فمثلاً الأطفال في الدول الأوروبيّة ومنذ صغرهم، تبدأ الحضانات والمؤسسات المختلفة باحتضانهم وتحفيز عقولهم على التفكير بطرق إبداعيّة من خلال ألعابٍ مدروسةِ التأثير المستقبلي، محفّزةً على التركيزِ في مواضيع ذات أولويّةٍ كبرى كالأخلاق.

إحدى الطرق التي سمعتُ عنها مؤخرا والتي تدرّس للأطفال في إحدى الروضات الإسرائيليّة هي كتابة نهايات مختلفة للقصص المشهورة، بمعنى أن تقومَ المعلّمة بسرد قصّة سندريلا على طلابها الأطفال مثلا، وتطلبَ منهم في اليوم التالي أن يضعوا نهايةً أخرى لذات القصّة. لا أدري كم من النهايات ستحصد، ولا أدري كم من العقول المبدعة ستحفّز لو استمرّت بهذه الدالة التصاعديّة.

إنّنا إذ نُبقي أطفالنا رهن التعليمات والتوجيهات المختلفة بـ "إفعل" "ولا تفعل" و "ممنوع" و "هذا هبل!" ، بالتأكيد سنقضي على إبداعهم وقوّة تحفيزهم، وسيتخرّج لدينا بالتالي جيلا داجناً لا يُحسنُ سوى الخنوع والإمتثال، وسوء التصرّف في أفضل الأحوال. وإن تحدّثتَ معه عن الإبداع فلن تستفزّه أبداً، إنما ستشكّل عنده مجموعةً من التناقضات الغريبة، ولن تُفلح معه في الخروج عن الأطر المعهودة والتي كان قد تلقاها أصلاً في المدرسة!

يرى معظم الناس أنّ الإبداع ما هو إلا موهبةٌ ربّانية قد يختص بها قليلا من عباده!، وأنها مسألة حظوظٍ لا علاقة للإنسان فيها، وأنّ من لا يُولدُ مبدعاً فليس عليه أن يتعب على نفسه بالطموح، ويسلّم للواقع المرير!
على حين أنّ الحقيقة الثابتة هي أنّ المواهب مجرّد قابليات جاهزة لأشكال التعامل المتباينة، إنها أشبه بكأس فارغة يمكن أن يوضع فيها الماء أو الخل أو العسل. وأنّ معظم الموهوبين من أبناء المسلمين، يعيشون ويموتون دون أن يدري بهم أحد وذالك بسبب عدم وجود المحاضن والأطر التي تنمّي مواهبهم وتستثمرها. (أ.د عبد الكريم بكّار)

تذكّروا دوماً، الإبداع ليس حِكراً على أحد

آرائكم تهمّني :)

* للأمانة الأدبية: المقالة مستوحاة من كتاب "إدارة الثقافة" - للرائع أ.د عبد الكريم بكّار ، وكذالك كتاب "أناقة نفسيّة" - سميّة عبد الكريم بكّار .


(يتبع)