23.2.12

يا تُرى ماذا فعَل سائق التاكسي معي؟! - قصّة !

بسم الله الرحمن الرحيم





انتهت المحاضرة الأخيرة بعد عناءٍ وكسلٍ شديديْن وحان وقتُ العودةِ إلى البيت. العودة اليوم ستكونُ مختلفة ذلك أنّ سيّارتي معطّلة وتعاني من خللٍ خفيٍّ لا يعلمه سوى الله ثمّ الميكانيكي!، لذلك سأستقلّ الحافلة اليوم وقد حضّرتُ كتاباً دسِماً لهذا الشأن حتى أستغلّ هذا الوقت في الحافلة. وحتى أصل إلى المحطّة المركزيّة للباصات عليّ أن أستقلّ سيّارة أجرة تقلّني من الكليّة إلى المحطّة المركزيّة وهناكَ أجدُ حافلةً تقلّني إلى البيت.

وبالفعل، وصلت إلى محطّة الكليّة وهناك انتظرتُ شيئاً من الوقت قبل أن تصل سيّارة أجرة. وهنا تذكّرت أنني لم أصلّ العصر بعد، وأوشكَ أذان المغرب على الدخول، فقمتُ من فوري وصليتُ العصر بجانب المحطّة، وسط أنظار من كانوا هُناك والذين ربّما أخذتهم الريبة جراء ذلك، لكنني لم أخجل في إعلاء شعائر الله!

وصلت سيّارة الأجرة، صعدتُّ وكلّي فخرٌ بصلاتي وانتمائي الإسلاميّ حتى ولو لم يعجب من هم ليسوا من المسلمين خاصّة (اليهود). وكنتُ قد حضّرت في جيبي سلفاً خمسة شواقل أجراً لسائق سيّارة الأجرة، والذي لا يأخذ أكثر من 5 شواقل أجراً له لمشوارٍ صغير كهذا. عندما مددتُ يدي إلى جيبي وجدت إلى جوار الخمسة شواقل شاقلان إضافيّان (2 شيقل)، فقلتُ في نفسي لا بأس في إكرام هذا السّائق، ربّما سيُأثّر عليه كوني عربي، وربّما سيحترم العرب أكثر في سفريّاته القادمة. وخاصّةً أنني متأثّر بأخلاق العرب والمسلمين في العصور الوسطى مع من هُم من غير المسلمين، وكيف فُتحت كثيرٌ من بلدان المسلمين بسبب أخلاق التجّار المُسلمين. هذا عدا عن إسلام أحد سائقي الحافلات في اوروبا مؤخّراً بسبب أخلاق وأمانة أحد المسلمين هُناك. ولأنني أعلم أنّ الشعب اليهودي يحترم كثيراً من يُكرمه بالمال، وأحياناً يغيّر نظريّةً كاملة من أجل شواقل قليلة، فقلت في نفسي لعلّ وعسى أن أكونَ سبباً غير مباشر في تحسين سلوكه أو مجرّد إحترامه لأبناء جلدتي بشواقل قليلة (2 شيقل) ، رغم أنني طالب جامعي والطلّاب الجامعيون يعلمون قيمة بعض الشواقل في بعض الأحيان!

ووسطَ عتمة الطريق، ناولته السبعة شواقل بكلّ فخر، إلّا أنّه أعاد إلي الإكراميّة التي أعطتيه إيّاها (2 شيقل) قائلا: לא צריך את אלה ! (ليس هناكَ حاجة لهذه) وناولني ال2 شيقل، فأصررتُ له أخذها، إلّا أنّه رفض ذلك مُصرّاً !

هُنا دُهشت جدّاً لأمانته وإحسانه خاصّة أنّ لا أحد يراه ويستطيع أن يضعها إلى جانب الإكراميّات التي أنا أكيدٌ أنّها قليلاً ما تصله من أشخاص آخرين. ربّما كان المبلغُ زهيداً جدّاً لكن فكرة الإكراميّة تروق كثيراً لسائقي الأجرة، أو للنادلين مثلا وإن قلّت. قُلتُ في عقلي لعلّ الله قد أرسلَ إليّ هذا السائق الأمين لرفعي شعائره أمام غير المسلمين وعدم خجلي من ذلك. تذكّرت هُنا بعض أبناء جلدتنا كيف لا يعيرون أموراً كهذه أيّ إهتمام، وكيف أنّهم مستعدون لأخذ المزيد والمزيد حتّى دون عِلم الزبون. وقررت أن أخصص تدوينةً خاصّة أمدحُ فيها إحسان اليهود في هذه الأمور، وتسائلتُ حقّاً متى سنحرّر الأقصى ونحنُ نواجه أناساً صاحبو أمانةٍ كهؤلاء، وبالمقابل أشخاصٌ كثرٌ من المسلمين لا يتحلّون بأبسط الأخلاق وأصغرها وهي الأمانة. وتذكّرت حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم عندما قال: "لا تقوم السّاعة حتى تضيع الأمانة". وقلتُ في نفسي ربّما على الشقيري تصوير بعض حلقات الإحسان عند الشّعب اليهودي، لما تبقى لديهم من بعض العادات الطيّبة الحسنة!

وصلنا إلى المحطّة المركزيّة، ولم يغب تفكيري عن هذه الحادثة البسيطة كوني شخصٌ يدقّق في تفاصيل الأشياء وأبعادها، ويحاول الإستفادة منها، وقبلَ أن أنزِل، شكرتُ السّائق المتعجّب بكلّ عمق وإبتسامة عريضة، ولسان حالي يُخبره فيها "أنّني مبهورٌ بأمانتكَ التي سأنشرها بين معارفي حتّى يتعلّموا منها" .. (القصّة لم تنتهي.. تابع!)

جلستُ أنتظر الحافلة، فتحتُ كتاب "السّلطان عبد الحميد الثاني" للدكتور الصُّــلابي، وبدأت أقرأ بنهفٍ كبير، حتى وصلتِ الحافلة، أغلقت كتابي، وأدخلته إلى حقيبتي السّوداء، ألقيتها على كتفي وقُمتُ مهروِلاً إليها. وقد حضّرتّ مُسبقاً 12 شيقل أجراً لها في الجيب الآخر، ودونَ أن أنظرَ إلى المبلغ الذي سأناوله للسائق، أعطيته إيّاه فبادرني: עוד 7 שקלים! (أخرى 7 شيقل) .. فنظرتُ وإذا بي قد أعطيتُ سائق سيارة الأجرة 10 شواقل عندما مددتُ يدي إلى الجيب الخطأ عند الكليّة، وكان ذاك الشاقلان هما تكملة ال12 شاقل خاصّة الحافلة، واتضح أنّ السّائق اكتفى بسرقة 5 شواقل منّي، ربّما ظنّاً منه أنني سأكشفه لو أخذ الشاقلان الآخران!!!

ألقيتُ نظرة بعيدةً من الشّباك وقلت "كل إشي إلو دوا إلّا الهبل!" 




يكتبها لكم،،
عُمر أبو صيام
23.2.2012


ملاحظات:
* القصّة واقعيّة 
* للأمانة، التدوينة موجودة منذ فترة، لكن لم أتجرّأ على نشرها إلّا بعد نشر الأخ معاذ خطيب موقف مشابه
*لو أعجبتك القصّة وأحببتَ نشرها بينَ أصدقائك أرجو ذكر المصدر وهو مدوّنة عمريّات.
* تعليقاتكم هُنا تهمّني جدّاً



هناك 4 تعليقات:

غير معرف يقول...

المهم تتعلم درس :)

مَريم عبد الحكيم يقول...

موقف لطيف :)

أضحك الله سنك

Gardenia ~ يقول...

الهبل أعيا من يداويه :D
أضحك الله سنكم

غير معرف يقول...

خخخخ

لطيفة :)