21.10.12

خاطرة إعلاميّة (1)

بسم الله الرحمن الرحيم


ربّما نجحتُ أخيراً أن أفصّل وقتاً بسيطاً للتدوينِ، بعدَ أن سرقتني الصّحافة والإعلامُ التقليدي عن هذه الطقوس الرهيبة. فبعد حوالي ثلاثةِ أشهرٍ من مباشرتي العملَ الحقيقيّ كمحرّرٍ في أحد المواقع الإلكترونيّة والتي تعنى بالأخبار العامّة والخاصّة كذلك، أحاولُ أن أعودَ أدراجي وبينَ مكاني الأوّل ولو لدقائق فقط.

كم هو قاسٍ أن تكونَ إعلاميّاً أو صحفيّاً حتّى، فلا مكانَ لآرائك هُناك، وليس لمشاعركَ أيّ قيمة، ولا إعترافَ بما تحبّ أو بما ترفض، كلّ ما عليكَ هوَ النّقل أو التغطية دونَ تعليقكَ على الموضوعِ حتّى! ، لا مكانَ لعلاماتِ التّعجبِ (!) هُناك، فمن أنتَ حتّى تتعجّب؟! ولا مكان للثلاثِ نقط خاصّة الإستدراك والتأمّل (...)، الفاصلة والنّقطة هُما حقّك وفقط، وفي أسوأ الظّروف تستطيع استخدام الفاصلة والنقطة (؛) وكلّ ما هو خلافهما سيُحذف!

يبدو لي أنّني سأكتب المزيد عن تجربتي الإعلاميّة مقابل التدوين الحُرّ، فسابقاً كنتُ أكتب لذاتِ التدوين والنّقد البنّاء، أو الإشادة بأشخاص وأناسَ أختارهُم أنا، علّمني التدوينُ دقّة الملاحظة، والتفصيل في كلّ شيء حتى لا أكونَ عُرضة "للصحافة" والمدوّنين!. لم أكن لأتصيّد الأخبارَ أو المواضيع على اختلاف أنواعها إلّا من أجل عرضها للنقدِ أو للإشادة.

لقد غيّرني الإعلام  -وأنا أتحدّثُ عن 3 أشهر فقط-، وبتّ أتصيّد الأخبار لأكونَ السّبق الصّحفيّ إن لزمَ الأمر، أو ليمنحني جمهورُ أداتي الإعلاميّة الثّقة بسرعتي على النّشر ووصول الموارد الإعلاميّة الصّادقة إليهم قبل الجميع.

في مدوّنتي أتحدّثُ باسمي دونَ الخوف من هذا أو ذاك، ولكم نوقشتُ في كتاباتي هُنا دونَ وجلٍ أو خجل مما أكتب. لكنّ الإعلامَ يفرضُ عليكَ "الأجندة" الخاصة بمكان عملِك، وإن لم تتشابه أجندتكَ بأجندة ما تعمل به، فهي قمّة النّفاقِ والتلوّن!

حادثة أثّرت بي

كنتُ قد تسامرتُ وإيّاه في ذاتِ الّليلة، ربّما ضحكنا معاً، وتجاذبنا ما طاب من الحديثِ وطيبِ الكلام. وقبل انطفاءِ النّجوم، ودّعته حيثُ زرته في المشفى لحادثٍ ألمّ بطفله. استيقظتُ إلى عملي، لأجدَ خبرَ وفاة طفله مكدّساً في "الإيميل"، ولأنشرَ خبر وفاته للإعلام، دونَ مشاعرٍ تُذكر، أو حتّى أن أعزّيه بطفله إعلامياً .. لم أكتب عن سهرتنا اللطيفة قبل وفاته، أو ما قد ذكر لنا عن طموحاته وأحلام طفله لدى شفائه، ولم أكتب ماذا قال أطفاله لدى زيارتهم أخاهم الصغير الراقدِ بهدوءٍ في سريرهِ الحديديّ، ولا عن تسائلهِ كيف سيقوى على إخبار أطفاله الثّلاثة بمعنى "الموت" ، وكيفَ سيربطُ من جأشه أمام زوجه الحنون .. لم أذكر أياً من تلكَ التفاصيل، فقط ما ذكرتهُ كان بكلّ بساطة: "تشييع جثمان الطفل ..." .. وعرضتُ الصّور، ووافقت على تعقيبات التعازي!
 هكذا تفرضُ علينا الصّحافة، وبذاتِ الطريقة يحترقُ القلبُ والأعصاب!

(يتبع)

هناك تعليقان (2):

umzug يقول...

Thanks to topic

رذاذ المطر يقول...

جميل أن يكون للإنسان مكان خاص به
يستطيع من خلاله بث ما في خاطره
وهذا ما يميزنا فكل ما لم نذكره
أثناء أداء واجب كلفنا به نستطع
بثه في قناة قلوبنا التي تحتوينا
وتنقل ما في خواطرنا

بارك الله فيك وفي حرفك