19.6.14

في الفلسفة .. في دقيقتين

قبل شهور وقع بين يدي كتاب "فصل المقال" لإبن رشد، وتحقيق الأستاذ محمّد عمارة. في الحقيقة قمت باقتناءه لظنّي أنه سيتكلّم في السياسة، دون التدقيق أنّ الكتاب هو تحقيق لكتاب فصل المقال الفلسفي للعالم الكبير أبو الوليد بن رشد.

ربّما تكون تجربة قراءة الفلسفة بالنسبة لي هي الأولى من نوعها، وكإسمها .. لا بدّ من التركيز العميق، والخيال الواسع من أجل محاولة فهم ما يودّ الكاتب إيصاله لنا. لم أعلم كم تطغى علينا السطحيّة أو لربّما أعزو ذلك إلى الثقافة التي تربينا عليها في فهم ظواهر الأحاديث مثلًا، وإغلاق أبواب الإجتهاد أمام عقولنا، وحبسنا ضمن قوقعة محدودة تمنعنا من اختراق "الممنوعات" إن صحّ التعبير.

على سبيل المثال، البُعد الفلسفي في حديث النبي صلى الله عليه وسلّم: "أمرت أن أقاتل النّاس حتى يقولوا لا إله إلّا الله ويؤمنوا بي"، في حين أنّ المعنى الظاهر هو القتال، في حين أنّ البعد الفلسفي يقول أنّ الناس من ثلاث أصناف في التصديق، فمنهم من يصدّق بالبرهان، ومنهم من يصدّق بالأقاويل الجدليّة، ومنهم من يصدق بالأقاويل الخطابية والعاطفية.

أظنّ أن علم الفلسفة والأفق والخيال الفلسفي هو الخطّ الفاصل لما تعانيه محافلنا السنيّة من انقسامات داخليّة مختلفة، فالإستدلالات إلى الله لا تحصى، وحاشاه أن نحشرها وفق مفهومٍ ضيق وفكرٍ واحد، نلغي فيه باقي الأطراف عن بكرة أبيها .. مع الحرص أنّ هناك ثوابتٌ وعقائد أنزل فيها كتاب ونصٌ صريح لا يجوز التشكيك فيها كوحدانية الله مثلًا أو فريضة الصلاة أو الحجاب وغيرها.

وأخيرًا، مما يذكره ابن رشد، هو أنّ التأويل في ممارسته لا يجبُ أن يطّلع عليه العوام من النّاس، ومن هم ليسوا بأصحاب التصديق بالبرهان، وقد يكون استعمال البرهان في الدلائل الجدليّة والخطابية مضرّة قبل كونه منفعة. ولا بدّ من المُؤوّل أن يكون صاحب علمٍ وأفقٍ وخيال، وأن يملك في معرفة الأصول ومعرفة الإستنباط .. وهنا يأتي المعنى الفلسفي في حديث: "إن أخطأ الحاكم فأصاب فلهُ أجران، وإن أخطأ فله أجرٌ" .. والمقصود بالحاكم هنا، هو العالم ، وله عذره في خطأه ، لكن إن لم يكن عالمًا إنما مجرّد متفيهق ومحبّ للكلام فلا عذر له !

أتمنى أن أكون قد وُفقت بإصال الفكرة دون فلسفة :\

:)