لم تلبث معرفتي به سوى بضعة شهورٍ ليس أكثر، لم أعرفه عن قُرب، سوى بعض الأحاديث والكلمات، والتي بَنَت في ذاكرتي رجلاً ربّما قرأته في إحدى رواياتي المجنونة، ألّفها لي أحد الأشخاص المقرّبين من فادي، وحكتها ليَ الأيام فيما بعد..!
علّمني درساً في الإرادة غير منتهية الصلاحيّة، والحماس الذي ينمّ عن عقليّة فذّة تفاجئ من حولها في كلّ مرّة. ربّما خلت ذاكرتي من ملامسة عيناه، ومجالسته أو حتى الإستماع إلى ضحكاته المتقطّعة، لكن أبداً لم تخلو من إصرار هذا الرجل على متابعة مسيرةٍ إرتسمها لنفسه، ودائرةٍ إحتسبَ محيطها وقطرها بكلّ مرونة ودقّة وهو يعلم أنّ حتفه سيلاقيه عاجلاً أم آجلاً، فقام بنثرِ بذورِ جمعيّةٍ نمت في داخله قبل أن يبثّ أشعّتها إلى من حوله، وأطلق عليها بإحساسه بـ "بسمة أمل" ثمّ راح بجاذبيّته المعهودة يضمّ إليها أناساً كادوا أن يوازوه رجاحة عقله ..
شهران بأكملهما لم تخلُ أيّامها من إسم فادي يتردد في ذهني وعقلي، وفي حياتي الروتينيّة حتّى، كنت أشعره يغطّيني كلّ ليلةٍ من فرطِ التفكير بما يحلُّ به الآن، لأستيقظ وأمارس طقوسي اليوميّة بالإطمئنانِ على صحّته الخائنة، والتي لم تمهله كثيرا .. الحمدُ لله على كلّ حال ،
شهران بأكملهما لم تخلُ أيّامها من إسم فادي يتردد في ذهني وعقلي، وفي حياتي الروتينيّة حتّى، كنت أشعره يغطّيني كلّ ليلةٍ من فرطِ التفكير بما يحلُّ به الآن، لأستيقظ وأمارس طقوسي اليوميّة بالإطمئنانِ على صحّته الخائنة، والتي لم تمهله كثيرا .. الحمدُ لله على كلّ حال ،
اليوم شُيّع فادي إلى مثواه الأخير، دون أن يترك لي فرصةً أخيرةً لزيارته ومعانقتهِ ولو لمرّةٍ واحدة كما كانت متّفق، حيث إرتقبت أنا وجمعٌ من الأصدقاء زيارته بعد أن تدهورت صحّته جراء مرضه المجنون، فلم يمهلنا حتى السبت القادم، وفضّل لقاء وجه ربّه الأعلى، لينام قرير العين جانب أحد شهداء فلسطين المعروفين، الشاعر راشد حسين!
في المسجد، تجمّع الناس حولَ جُثةٍ هامدة، موضوعةٍ داخلَ تابوتٍ برتقاليٍ كان قد صنع من خشب حزين، تقشّرت أطرافه الكرتونيّة لرهبة الموت الذي يلفّه في كلّ مرة. وفي داخله تكوّم غطاءٌ مفروش بالورود الحمراء والبنيّة والتي حيكت على أصفر قاتمٍ عبوس. على الغطاء نام إكليلٌ من الزهور الحزينة ينوحُ ويتشبّث بآخر ذكرى لصاحبِ هذا الجسد الأبيّ. ثمّ لفّ الجثّةَ بدلةٌ ناصعة البياضِ غيرَ مخاطة، وفي أعلى الغطاء كُشفَ عن بدر على ما يبدو أنّه كان قد سقط من السماء، وحان وقتُ عودته إليها، رسمت ملامحَ وجهه إبتسامةٌ ميّتةٌ متّقدة!، تبعث في من عرفها بحيّويّتها شهوةً لتقبيل جبين صاحبها المسجّى. هي هكذا رائحةُ الموتى لدى تقبيلهم، باردةٌ بإحساسها حارّةٌ بفراقها!
وانتهت مراسيم الدفن، وقُـدّم واجب العزاء لوالده وأخاه، بعض الأصدقاء تباكوا ما بينهم، فذاك يذكر فادي في صغره، والآخر في تعليمه، إلّاني، لا أحمل في جعبتي سوى بعض أقصوصات الورق، وقصصٍ قصيرةٍ يكاد لا يعرفها أحدٌ عن فادي سواي!
لكنني بكيت، وبكيت، لأجدني آخر من يغادر المقبرة، مودّعاً بطلَ روايتي المفضّل، فادي.
عزيزي، فلتنم كحيل العينِ أشمّاً، ووداعاً لدنيا لا يقمعً فيها إلّا المبتلون، أصدقاءك من خلفك، يكملون ما إبتدأتَ به، وكلّ عيونهم إصرارٌ على مشوار إبتدأتَ أولى خطواته. سجيناك اليوم، ولم نسجّي فكرتك، ستظل فينا تنبضُ بإصرارك، وتبثُّ فينا عزيمتك وقوّتك..
يكتبها لك، محبّك المخلص
عمر أبو صيام
عمر أبو صيام
هناك 3 تعليقات:
رحمه الله وادخله فسيح جناته...
صحيح انني لم اعرفه ولكن ماكتبته عنه محزن ومؤثر..
يا لجمال كلماتك !!! رائعة حد الوجع...!
وتنبض صِدقاً بمشاعرك نحو الفقيد.. الذي كُلي ثقة بأن جهوده لن تذهب هباء... وعلى تحقيق حلمه سوف يسعى الكثير...
هو رحل، لكن أريجه باقٍ... ولن تستطيع أقدام الزمن سحقه أبدا...
رحمه الله وأسكنه بإذنه فسيح جِنانه
رحمه الله !
ورغم اني لم أعرفه شخصيّا
إلا ان اسمه تردد ولا زال يتردد في محيطي كثيرا
اسال الله ان يغفر له !
إرسال تعليق