17.11.11

كيف تكونُ مبدعا؟!

بسم الله الرحمن الرحيم



لم يكن الإبداعُ يوماً حِكراً على أحد، ولم ينتهي عندَ جيلٍ معيّن، أو حُصِرَ لقوميّة واحدة!
ملياردات الأدمغة على وجه البسيطة، ولكلّ دماغٍ بصمته المميّزة أياً كان وأينما وُجد، المهمّ هُنا إلى أيّ مدىً تستخدم قوّة عقلك لتفتحَ آفاق تفكيركَ وتُبدع.

يشعرُ الكثير من المسلمين بالدونيّة والإنحطاط بسبب الأفكار المسبقة لديهم، ولقلّة حيلة المسلمين في هذا الزمان وتأخّرهم سنينَ ضوئيّة عن معظم الشعوب خاصة الأوروبيّة منها. ولعلّ أحد أسباب هذه الأوضاع هي تأخرهم عن فهم ماهيّة أن تكون مبدعاً وعدم توفيرهم البيئة المناسبة للأفراد حتى يسيروا مع ركب المبدعين من الشعوب الأخرى. لن يُجدي بنا نفعاً أن نقف على أطلالنا، ونلعن الخلف، ونستعزّ بخيرِ سلفٍ مرّ على التاريخ، ثمّ لن تروي دموعنا مجداً كان قد بناه أجدادنا -رحمهم الله- في حقبةٍ من حقب التاريخ. إنّ ما نحنُ فيه يعبّر عن قصورٍ ذاتيٍّ فينا، وقلّة وعي لما تمرّ به أمّتنا الحالمة، لن يُخرجنا منه سوى تهيئتنا لبيئةٍ ينضج بها أفواجاً من المبدعين المثقفين من العرب والمسلمين.


إن فُقد الوعي بأي شيء يحوّله إلى شيء تافه ويخرجه من قائمة الإهتمامات والأولويات ويكون في جملة المهملات والمنسيات. (أ.د عبد الكريم بكّار)

إن إحدى طُرق الخروج بجيلٍ واعٍ لقضيّته، حاملٌ همّ أمّته، لا يعاني تفككاً بشخصيّته الإسلاميّة، هو تهيئة الظروف والبيئة المحيطة به لتحفيزه على الإبداع. فمثلاً الأطفال في الدول الأوروبيّة ومنذ صغرهم، تبدأ الحضانات والمؤسسات المختلفة باحتضانهم وتحفيز عقولهم على التفكير بطرق إبداعيّة من خلال ألعابٍ مدروسةِ التأثير المستقبلي، محفّزةً على التركيزِ في مواضيع ذات أولويّةٍ كبرى كالأخلاق.

إحدى الطرق التي سمعتُ عنها مؤخرا والتي تدرّس للأطفال في إحدى الروضات الإسرائيليّة هي كتابة نهايات مختلفة للقصص المشهورة، بمعنى أن تقومَ المعلّمة بسرد قصّة سندريلا على طلابها الأطفال مثلا، وتطلبَ منهم في اليوم التالي أن يضعوا نهايةً أخرى لذات القصّة. لا أدري كم من النهايات ستحصد، ولا أدري كم من العقول المبدعة ستحفّز لو استمرّت بهذه الدالة التصاعديّة.

إنّنا إذ نُبقي أطفالنا رهن التعليمات والتوجيهات المختلفة بـ "إفعل" "ولا تفعل" و "ممنوع" و "هذا هبل!" ، بالتأكيد سنقضي على إبداعهم وقوّة تحفيزهم، وسيتخرّج لدينا بالتالي جيلا داجناً لا يُحسنُ سوى الخنوع والإمتثال، وسوء التصرّف في أفضل الأحوال. وإن تحدّثتَ معه عن الإبداع فلن تستفزّه أبداً، إنما ستشكّل عنده مجموعةً من التناقضات الغريبة، ولن تُفلح معه في الخروج عن الأطر المعهودة والتي كان قد تلقاها أصلاً في المدرسة!

يرى معظم الناس أنّ الإبداع ما هو إلا موهبةٌ ربّانية قد يختص بها قليلا من عباده!، وأنها مسألة حظوظٍ لا علاقة للإنسان فيها، وأنّ من لا يُولدُ مبدعاً فليس عليه أن يتعب على نفسه بالطموح، ويسلّم للواقع المرير!
على حين أنّ الحقيقة الثابتة هي أنّ المواهب مجرّد قابليات جاهزة لأشكال التعامل المتباينة، إنها أشبه بكأس فارغة يمكن أن يوضع فيها الماء أو الخل أو العسل. وأنّ معظم الموهوبين من أبناء المسلمين، يعيشون ويموتون دون أن يدري بهم أحد وذالك بسبب عدم وجود المحاضن والأطر التي تنمّي مواهبهم وتستثمرها. (أ.د عبد الكريم بكّار)

تذكّروا دوماً، الإبداع ليس حِكراً على أحد

آرائكم تهمّني :)

* للأمانة الأدبية: المقالة مستوحاة من كتاب "إدارة الثقافة" - للرائع أ.د عبد الكريم بكّار ، وكذالك كتاب "أناقة نفسيّة" - سميّة عبد الكريم بكّار .


(يتبع)


 




هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

رائع ما خطّته يداك , بوركت .

توظيفي يقول...

لقد أبدعت في مقالك يا عمر
www.twdhefy.com