30.3.14

روسيا وأوكرانيا: لماذا القرم؟ ولماذا كلّ هذا العناد؟ وهل تضرب أمريكا روسيا؟!


قمت بنشرها عبر حسابي الشخصي على فيسبوك في تاريخ 21/3 ، وارتأيت نشرها هنا للأرشفة

للمهتمين .. تقرأ في ثلاث دقائق فقط 

ها نحنُ نعيش لحظة حاسمة من لحظات التاريخ، شبه جزيرة القرم التي انتزعتها روسيا عام 1783 من الدولة العثمانية في معارك طاحنة في حملة ما سُمي "من غير انتظار، يجب محو التتار" ، وهم السكان الأصليون لشبه جزيرة القرم، راح ضحيّتها ما يقارب ال 350 ألف تتري مسلم، في واحدة من أبشع المجازر التي عرفها التاريخ على يد القوات الروسية، بالإضافة إلى تهجير ما وصل عدده الى مليون و20 ألف إلى تركيا وتهجير وتشتيت ما تبقى في أنحاء روسيا.

لست بصدد الحديث عن القرم وتاريخ أهلها الدامي الطويل جدًا، والمذابح التي ارتكبت بحقهم، والتي لا يتصوّرها عقل ولا يستوعبها قلب، لكن يكفي أن أذكر أن تسعة ملايين تتري قرمي منذ عام 1883 قد هبط عددهم إلى نحو 850 ألف نسمة عام 1941 .. فأيّ جرمٍ وأي كارثة ذاقها هذا الشعب ومُرّغ بها جبين الإنسانيّة!

تعدّ القرم حوالي 2 مليون نسمة فقط ، يغطي الروس فيها ما نسبته 58% ، و24% من الاوكرانيين، وفقط 12% هم من تتار القرم بحيث يصل تمثيلهم في البرلمان حتى مقعد أو اثنين فقط ، بالإضافة الى تجمعات للأقليات المختلفة كاليهود واليونانيين والأرمن وآخرون.

ربّما لاحظتم التوتر العالمي عقب ما جرى مؤخرًا في شبه جزيرة القرم ، والذي انتهى اخيرًا باستفتاء شعبي بانضمام القرم الى روسيا أو "عودة" القرم إلى الجناح الروسي كما قال بوتين -الرئيس الروسي- ، لدى نجاح الاستفتاء بما نسبته 97% من مجمل سكان القرم.

للعلم فقط، فإن القرم تعتمد على الحكومة الاوكرانية في توفير 85% من حاجتها للكهرباء، 90% من حاجتها لمياه الشرب وقسط كبير من غذائها. أي أن على روسيا أن تقدّم أكثر من مليار دولار سنويًا للقرم من أجل أن تصل القرم إلى مستوى معيشة أفقر دول روسيا مثل اوسيتا الشمالية وغيرها.

المشاكل تتفاقم في الأقاليم الروسية، وثمة هناك 10 مناطق روسية على الأقل يترتب عليها ديون تقرب من 100 في المئة من إيراداتها، ويتوقع محللون اقتصاديون أن ينخفض معدل النمو الاقتصادي في روسيا في عام 2014 إلى ما دون الواحد في المئة (-1) بعد انضمام القرم، مقارنة مع ما توقعه البنك المركزي الروسي بتحقيق نمو بين 1.5 و1.8 في المئة، أضف إلى أنه سيكون على روسيا دفع معاشات التقاعد ل560 ألفًا من المتقاعدين الجدد من القرم ورفعها من 150 دولارا شهريا الى 180 دولار من منطلق المساواة مع أبناء روسيا. ومع العلم أن متوسط الأجور في القرم يصل إلى 270 دولارا في الشهر في حين يبلغ 660 دولارا في بعض المناطق في روسيا مثل اقليم كراسنودار الروسي الواقع شمالي القرم!

ربّما يسمى هذا غباءً سياسيًّا، او لربّما حينما يسكننا الوطن لا نقوى على التفكير بما ستفرضه علينا آليات الواقع. لا يدري مساكين القرم ممن صوّتوا للدستور أيّ ويلاتٍ سيجنيه عليهم هذا القرار، على الأقل بالنظرة الخارجية "السطحية" التي نحكم عليها نحنُ من نجلس خلف شاشاتنا وراء البحار. ربّما ستحفّزهم "عودتهم" إلى أمهم روسيا الى الإبتكار وبذل الجهود في سبيل رفعة بلادهم، وقد يقودهم مع بلادهم الجديدة الى حربٍ وشيكة، تسعى روسيا الى اشعالها منذ اليوم الأول لسقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991.

تخيّل أن تنام في بيتك ليلًا وأنت في اوكرانيا ، وتستيقظ في روسيا  !

هل سنشهد حربًا عالمية على روسيا؟

بلا شكّ ما فعلته روسيا من استيلاءٍ على القرم لم يكن جديدًا في التاريخ البشري، ففي القرن التاسع عشر، وعندما كانت بريطانيا هي القوّة المهيمنة في العالم، شنّت ألمانيا النازية سلسةً من الحروب على النمسا والدنمارك وفازت بهما، وكان يفترض أن تضع بريطانيا حدًا لهذا الموضوع حتى لا تتنامى هذه القوة الصاعدة الجديدة وتحلّ مكانها .. لكنهم اكتفوا بتوقيع اتفاقية بين المانيا وبريطانيا لإعادة الاستقرار إلى اوروبا.

لا بدّ للقوة الصاعدة أن تقوم بالتوسّع الجغرافي على الأقل لتلفت أنظار العالم اليها، وخاصة تلك المهيمنة في العالم. وإن افترضنا أن امريكا هي القوة الأولى في القرن الواحد والعشرين(رغم أن الصين في نموها الاقتصادي والعسكري ترقى للهيمنة أيضًا)، فإن ذلك قد يجرّنا للتفكير بعدة احتمالات لسيناريوهات متوقعة اولها الحرب الوشيكة بين امريكا وروسيا، لتثبّت الأولى سيطرتها وهيمنتها مجددًا على العالم، وعلى ذلك يترتب العديد من التداعيات العالمية.

وفي المقابل، ربّما تقبل امريكا ودول العالم بهذه القوة الصاعدة (كما فعلت بريطانيا سابقًا)، وتسعى الى اعادة الاستقرار الدولي في ظلّ هذا المشهد الاقتصادي الأوروبي الصعب، وأوضاع الشرق الأوسط المترديّة. ولعلّ جراحها من العراق وافغانستان لم تشفى بعد، فماذا لو تحدّثنا عن دولة كـ روسيا ، تملك من الهيمنة العسكرية ما تملك، ونموٍ اقتصادي رغم بطئه على مدار العشر سنوات الأخيرة، الا أنّه ينمو !

يا سادة، يبدو أننا أمام خارطة جديدة لهذا العالم، ستتوزع على قطبين لم يفتر التنازع بينهما يومًا وإن بان ذلك. فإن رضيت أمريكا بالقرم الروسية، فإن ذلك قد يجبرها أن تقبل بما هو أكبر مستقبلًا، أو أن تفرض سيناريو آخر مختلف لم نشهده من قبل !

ويبقى ما أكتب مجرّد وجهة نظر ، قد يصدّقها الواقع أو يكذبها ..

إن أعجبتك المقالة، شيّرها 



ليست هناك تعليقات: