2.3.11

فلسفة الفُراق !

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله

بداية لا بدّ لي من شكر جميع الأسماء التي تعلّق هنا بشكلٍ دائم، وبشكل عابر أيضا، كذالك أؤلائك الذين يعِدونني بالعودة في سجل الزوار. شكرا لكم فرداً فرداً .. أتشرّف بكم جميعا .. كذالك أفتخر وأشكر جميع من يرسلون لي دائما متعتهم وارتياحهم بتدوينتي، وأشكر جميع الشخصيّات الرفيعة التي شرّفتني أيضا سواءاً كانوا إعلاميين أو فنّانين على حدٍّ سواء .. أتمنى أن نكون عند حُسنِ الظن ^^

في الحقيقة فلسفة اليوم التي سأطرحها، ألاحظها بشدّة في الآونة الأخيرة، ورأيتُ أن أضع بصمتي المتواضعة في حنانيكم فأرجو أن تستمتعوا ..

ربّما يشكّل الفِراق هاجساً كئيباً للكثيرين، وبطيبعة الحال أنا منهم. فالفراق يعني النسيان وهو ما يرى مرارتهُ وصعوبته بنو البشر إذا ما غُصبوا عليه! .. بمعنى أنّ الإنسان مجبولٌ على النسيان، لكن استفزازه بالنسيان وإجباره عليه هو ما لا يطيق ..

مثلا: عندما يبُح أحدهم أو إحداهنّ أمامك بإسم "حبيبه" خطأً فإنه سرعان ما سيتلعثم ويرتبك ويطلب منك أن تنسى المذكور!، هل تستطيع؟ لن تستطيع، أو مثلا أن تعتاد الذهاب لمدّة شهر كامل على شرب فنجان قهوتكَ عند أحد الأصدقاء، وفجأة قرر الصديق أنّ يقطع عادتك ويقول لك، بعد أن اعتدت على طعم قهوتكَ الصباحية في ذاك المكان .. "إنسى الموضوع .. إشرب قهوتك عند إمّك"
أنا متأكّد أنّ الموضوع سيأخذ منكّ أيّما مبلغ، ولن تستطيع النسيان في ذات اليوم ولربّما أيضاً بعد أسبوع!

هذا هو الفُراق، عبارةٌ عن عادةٍ توطّدت بك، ولبستكَ من رأسكَ حتى أخمصِ قدميك، لم تتخيّل نفسكَ يوما دونها، كوجودِ شخص عزيزٍ عليك (أمّك، أباك، صديق، حبيبك...) وبات أمرُ وجودِهم "كأمرٍ إعتياديّ" ليس بالضرورة إيجابيّا أحياناً..!
ثمّ بمجرّد مفارقة الأحبّة، و"زوال" هذه العادة من برنامجك اليومي، قد يجعلك تنقلب، وتنكسر وقد تبكي .. بحكم العادة وحكم أنّ الإنسان لا يحبّ أن يحرم من عاداته ..
وفعلا يكون منظرُ الشخص كئيبا وجافّا حال وقوع هذا الأمر، فالإنسان يبقى ضعيفا أمام هذه الأمور مهما بلغت قوّته. لكن لا بدّ للأمرِ من حلٍّ سريع، فالبقاء فيه سيقضى على كثيرٍ من الأمور التابعة له، وسيقلل من جودةِ أدائكَ في كافّة أعمالك اليوميّة. وربّما حالات الفراق، هي من أكثر الحالات التي ربّما نرى أثرها في حياتنا اليوميّة، قف وفكّر وأعِد الأمور إلى أساسها تجد أنّ المعظم يعاني من حالات فراق مختلفة!
بإعتقادي كان الحلّ الأمثل لذالك، إنهاء هذه الأزمة التي قد تمرّ بأي فردٍ فينا بوقتٍ أقل، هو القضاء على العادة بالعادة. تقول "أحلام مستغانمي" في كتابها "نسيان"، بأنّك مثلا لو أعتدت على وجودِ شخصٍ يهاتفك كلّ صباحٍ في تمام التاسعة، وفجأة أختفى، بالتأكيد ستشعر بتلك الفجوة، وستأرقك بشكلٍ كبير، فأولى الخطوات لسدّها، هو أن تبحث لكَ عن شخصٍ آخر يهاتفك في ذات الوقت لفترةٍ تحددها أنت، وستلاحظ الفرق!





شخصيّا أستعملت هذه الطريقة، ربّما قبل أن أقرأ أيّ شيئٍ من كتب التحكم بالشعور، لكن فعلا وجدت نجاعها بشكلٍ لا يوصف. في فترةٍ من الفترات اعتدتُّ أن أبعث بالرسائل القصيرة إلى أحد الأشخاص، كان بليغا باللغة العربيّة كما أحبّ، فكنتُ إن أرسلتُ له بيتاً من الشعر، قصفني بآخر، كان الأمر لطيفاً، إلى أن جاءت أيامٌ وانقطعت هذه المناظرات لأسبابٍ أو لأخرى، كان الأمر يمزّقني، يعرف هذا الأمر من أعتاد على الكتابة، كيف أنّ بداخله حروفاً يريدُ يطلقها في وجهِ أيّ شخصٍ حتىّ، أو يحرق بها صفحاتٍ بيضاءَ ويكوي فيها سطورا يفقدها في الوقتِ الآني!
بدأتُ بدايةً بالكتابة على ورق، وعليه نبعَ عندي حبّ التدوين، ثمّ بدأتُ أرسلُ ببعض هذه الرسالات إلى أشخاص لا يهمّ من هُم، لكن كان ذالك "يفش غلّي" حتى شُفيتُ من هذا المرض تماماً!

علّمني الفراق أن أمسكَ مشاعري بيدٍ من حديد، وهذه إحدى أعظم فوائده بتصوّري!
لا أستطيع تصوّر حياتي دون مشهد الفراقِ ذاك الذي لوّعني بدايةً ثمّ رأيتُ ثماره تنهال عليّ بوفرةٍ غريبة، جعلتني أحمدُ اللهَ كلّ يوم على الفراق!!

تعلّم أن تُخرج من لبّ المصيبة، شهدا صافيا زلالا تشربه وتستفيد من خيراته، وأرضَ بما قسم الله لك، بالتأكيد ستكون أسعدَ الناس ..


أسعد بتعقيباتكم :)

هناك 8 تعليقات:

صــفاء يقول...

جميل :)
" جزى الله الفراق عنا خير الجزاء، فإنما هو زفرة وعبرو، ثم اعتصام وتوكل، ثم تأميل وتوقع. وقبّح الله التلاقي فإنما هو مسرّة لحظة ومساءة أيّام،وابتهاج ساعة واكتئاب زمان " !- ابو عبد الله الزنجي

هناء جواد . يقول...

رائعةٌ هي تدوينتُكَ أخِي،

هي بالنسبةِ لِي فلسفه جديدة، فالفراق لا يعني فقط فراق حبيبٍ أو صديق ! بل فراق شيءٍ آعتدت عليه في حياتِي، طرحت مشكله وأعطيتنا الحل،

دمتَ في سلامٍـ ،
:)

Ola يقول...

ذكرتني تدوينتك بِإحدى القصص القديمة..
التي تَحثنا على ان ننتَهجَ نهج ( القهوة) في مواجهتها للمشاكل.. حَيث أنها تَجعل من مآساتها – غليان الماء- مشروباً لا يستطيع الكثيرون الاستغناء عنه...

//

كُلنا على يقين بأنه حتى لأمتن الامور واطولها.. نهاية محتمة !!...
ولكننا نتجاهل هذا الواقع سائرين مفتوحي الأذرع مُغمضي البصيرة نحو علاقاتِ و"إدمان" جديد... ولربما تجاهلنا هذا سبب نجاح علاقتنا.. ولو لبرهة...
وكأي غالٍ لا نستشعر بقيمته إلا آن فقدانه... يَخل علينا الفراق كالصاعقة... مقتلعاً أواصر اعتدنا عليها واعتادت هي علينا... مُغيرا كل الروتين لفرااااغ....

أعجبني حقاً استشهادك بأحلام...( فبرغم بعض التحفظات والانتقادات... الا انها كاتبتي المفضلة :)...)
فأسلوبها فعّال... و مضمون :)..
لكنني بت أخشى قلة الاخلاص لحاضرنا في بحثنا عن بديل اذا انتهى...!

بارك الله فيك أخي عُمر...
تدوينة راقية كالمعتاد..:)

Gardenia ~ يقول...


الزمن كفيل بحل كل الازمات بحسب ما اعتقد .. الفراق والألم والمآسي كلّها يخف تأثيرها مع الوقت
إنما المدة الزمنية نفسها أشعر أنها مقرونة بذات الشخص ، قد تطول وتقصر إرتباطاً بقوة الشخص على التحكم بذاته وقدرته على الخروج من تلك القوقعة

أحببت الفكرة التي طرحتها حلاً لمشكلة الفراق :) ..

شكراً لكم

Unknown يقول...

علّمني الفراق أن أمسكَ مشاعري بيدٍ من حديد، وهذه إحدى أعظم فوائده بتصوّري..

رائـــع فعلاً ..مؤيدة تماماً فحين يرحلون يتركون خلفهم في أعماقنا شقوق غائرة .. لكنني ممن يؤمنون بضرورة الشقوق كي يمر النور ..

كل الشكــــر

[ عُمر أبو صيام ] يقول...

الأخوات الكريمات، شكرا لتعقيبكنّ ..
فعلا ما ذكرتنّ "بنفع ينكتب تدوينة بحالها" :)

شكرا، وأتمنى أن تكونوا قد استمتعتم واستفدتم :)

رحـيقٌ مخـتُوم ~ تسنيم / يقول...

لاحظتُ أنني قد وصلتُ مُتأخرا.. جدا
لكن يجدر بس التعقيب : تدوينة رائعه
اسلوبك في الطرح أخّاذ ^_^
نرقب مزيداً ...

[ عُمر أبو صيام ] يقول...

أهلا بكم أختي متى شئتم :)

يسرّني جدا تواجدكم، وشكرا لإطرائكم :)